الأربعاء، 25 يونيو 2014

شوارع .. !


الخرطوم - الميناء البري - 3:47 دقيقة ظهرا " ..!
هذا يعني ( جهنم) ..بلهجة أخرى ..
المشهد : ممتد تماما .. بزحمة شرايين الشوراع .. المنسدة بالكربون ..
الخرطوم مدينه متعبة .. متعبه ..
لكنها هنا - في هذه البقعة بالذات - تكون أكثر تعبا" ..
المشهد : اختلاط الدخان- الاصوات - صرير الحافلات - التياب المملونة - الجلاليب مغبره تماما - الغبار في كل شيء - حدقات الطفلة المتمسكة بهلع في توب أمها- الأكثر حيرة - محاولة أن تر كل شيء - الصبية بقمصانهم وبناطيلهم المكوية صباحا.. المعجونة الآن - حقائب صغيره - شنط ظهر- حقائب كبيرة جدا - أكبر من قدرةالمناورة في هذا الزحام - والكثير من الاكياس والكراتين - كأن السفر ولد هنا للتو !!
ابن أحدهم - ابنة أحدهم زوج أحداهن- ام - أخ- أب .. حبيب يرحل كلهم تجذبهم الخرطوم كدوامة ..!
كلنا تجذبنا الخرطوم كدوامة ! ثم تلعبنا كأوراق كوشتينه ..!
..
المشهد:
كأنك فتحت علب حبر بألوان مختلفة واسقطتها على كوب ماء..تنسل الخرطوم هكذا - مشعة بفعل الشمس - بائسة.. لكن شيئا ما حقيقيا ومألوفا بشده .!يجعلك تنظر لشخص ما .. لتشعر أنك تعرفه مسبقا" . .
ولو أنك ركزت مع الموسيقى التي تملأ الطريق .. لشعرت بسحر خفي - لحظي على الاقل - ريثما ينسل العرق الى اذنك حينها لا موسيقى .. شمس فقط ..!
..
قبل 43 دقيقة .. !
..
مهووسة أنا بالطرق الجديدة .. مهوسة بالمصادفات بشكل أخرق .. !
مثلا عندما توقف البص أمامي . .وهو يصرخ : ( الخرطوم - المينا- المركزي) كنت قضيت 25 دقيقة بالضبط تحت الشمس ..
لذا ركبت وبسرعه .. وبعد 3 دقائق أدركت أن البص لن يسير في ذات الاتجاه الذي أرغب في الوصول اليه ..
كان من الممكن أن أنزل .. لولا هوسي ..أو ربما لأن الباص كان مريحا" وهادئا" ..
بعض الركاب النموذجيين هنا .. وهناك .. هدوء نادر جدا .. لولا اثنين يمضغان جدالا طويلا بلا حل أبد .. لقلت أنك انحشرت فجأة في غرفتك .. تحت السرير تماما" حيث لا صوت .. الا صوت مروحة السقف ..!
وهكذا استرخيت .. وبمساعده من موسيقى هاتفي .. اختفت اصوات كل شيء ..
فقط أنا والموسيقى وعيناي تبتلعان الطرق أمامي ..
كل شيء مألوف .. الشوارع - البيوت - عدا الالتفاتات التي قام بها السائق .. والتي نبهتني الى احتمالية اخرى لشوارع متاحة الآن ..
أحيانا" وأنا أسند جبهتي على زجاج البص .. أفكر أني أرغب في تعبئة هذه المدينة بداخلي - شارعا شارعا .. كأني سأرحل يوما" منها للأبد ..!
وأحيانا" أشعر أني سأبقى لأفنى هنا ..!
..
يمضي الوقت .. تختلط الطرق - مزدحمة جدا - واسعة جدا - مؤلمة كثيرا - ورحبة بشكل مفاجيء ..
نهار الخرطوم - حار - لاذع - لايطاق ..!يمكن أن تقضيه وأنت تلعن !
لكن ليلها ..يا الله ! فاتن بصورة حميمية ..!
..
بعد 43 دقيقة .. المينا البري ..
يا الهي ..! كن رحيما" على عبادك ..
تنبعث (عطبره) الاغنية من مكان ما في رأسي ..

"من قمت من بيتنا ومشيت 
بطاقتي صورة مصغرة 
شايل معاي شنطة صفيح 
حزمة هموم 
ولدا متين بقي للسفر والاغتراب والدردرة "
...

هوسي يتلاعب بي كثيرا" هنا .. عندما يصرخ كومنسجي باسم مدينة ما .. في وجهي ..
أفكر أن كانت لدي الجرأة الكافية أن اذهب ..! أسافر أعني .. في تلك اللحظة بالذات ..!
الهوس يتصاعد كبخار أناء يغلي ..
ولكني - حتى الآن- لم أفعل ..!
ربما يوما ما ..
ربما في مدينة أخرى ..!
سيكون من الجميل أن أذهب أنا وأنت ! لا تستغرب هكذا .. أعلم أننا سنفعل يوما ما ..
بي اس : أخبرت المدينه عنك.. وشوشتني كثيرا" .. وكزجاجة عطر اشبع اسمك الهواء .. ..
..
مساء الخرطوم \ أمدرمان
يونيو ال 25- 2014