الأحد، 16 نوفمبر 2014

أرق .. في السطر الأخير من القصة ..!

"يغوص قلب القاريء خمسة أعوام في صدر الصفحة ..!
لايصدق أن القصة تنتهي هكذا ..
مذهل أن يتوقف الكتاب كقطار عجوز أفرغ حمولته واتكأ ليستريح ..!
يفكر القاريء بحل واحد لأزمته :
"مزحة .. انها مزحه" ..! يردد :"أحدهم انتزع احشاء الكتاب ..! "
وفي ذات اللحظة التي تنام فيها شخصيات القصة برضا تام  ..
 يبدأ القاريء بالهلوسة ..
يفكر أن يجد الكاتب ويجبره ان يضيف سطرا ما .. سطرا واحدا ..
تسمعه  سيدة عجوز - تلعب دور سيدة عجوز في القصة - تقول:
" مسكين .. يظن أن سطرا واحدا سينهي معاناته ..! "
يقول آخر : " لماذا لا يتقبل النهاية ؟؟! "
تسمعهما  حسناء .. تعيش في الصفحة الخامسة والثلاثون انتهت للتو من تبديل ملابسها ..

تقول : "ماذا لو .. قرر الكاتب أن يضيف ليس سطرا واحدا فقط .. بل جزءا آخر ؟!كيف سيكون مصيرنا اذن؟! " ..
هكذا يتردد حديث الحسناء في المدينة.. يتردد كإشاعة في أول الامر .. ثم كـهاجس ...
ثم ...لاينام أحد ..!
تشعر كل شخصيات القصة بالخوف.. وكلما فتح أحدهم نافذة بيته .. وجد الكلمة واضحة بخط عريض ..: " ماذا لو ؟! " ..
..
يصاب القاريء بالملل فجأة .. ينظر الى الكتاب بضيق  .. ثم يقرر ان لايفعل شيئا !
وان ينسى القصة بأكملها ..
وبهدوء بشري مستفز يضع الكتاب في رف مهجور.. و ..
ي ن ام ..
 ببساطة ..!
تاركا" كل شخصيات القصة  في أرق رهيب ..
يبحلقون في " ماذا لو ؟! المعلقة فوق رؤوسهم ..في كل صفحة  ..! 

..


الخميس، 24 يوليو 2014

شرنقة .. !

أميل الى اعتقاد اننا كائنات ثنائية  الشرنقة .. كلما مس الحب شق في الروح .. أدهشتنا زرقة المحيط بالداخل ..!
تماما" كالمصابين بالكآبة .. والكآبة - ليست من الحزن في شيء- الكآبة في انفجار الأحاسيس .. في امتزاج الألوان ..
عند السعادات الكبيرة جدا ..  تأتيك رؤية مختلفة للكائن فيك ..!
نعود للشرنقة .. حيث مساحة لك ومساحة لغيرك - لا باختلاف ال كاف الداله على غير(ك) بل باختلاف ال (أنا) !
مثل أن ينجب قلبكِ صبيا" وارف العشق .. 
فتنقسم ..
كلا الشرنقتين أنتما  .. !
وفي حالة التسامي .. تكفيك شرنقته وحدتـ\كـ\كما
هكذا يكون الأعمى متوحد في عتمة شرنقته ..  يرى لا كما نرى .. بل بانسيابة أخرى .. تمتزج عتمته بالسكون..لايفكر فيما لايراه بل يفزعه أن يتسرب اهتزاز في الصورة يشوه رؤيته !
ويكون  الذي يكنس الشارع لا يكنس الشارع حقا" .. بل يصنع مسارب ليتدحرج الهواء .. وتتنفس أحذية المارة .. العابرين..
ويكون الحزن طريقة أخرى لقول (أحبك) .. لك .. !

نسقط .. مائلين لظن أن لا قاع ... ممتلئين باعتقاد أننا سنرتطم بجذر القاع .. سنتدحرج .. وقد - ربما - يمكن - احتمال ..نطير ..!

تعود الشرنقة بيت وسكن ولطف و ( سماح) ..

في القرآن الكريم - يقول الله -عز وجل - :
{يسألونك ماذا ينفقون قل العفو }

العفو .. !
من هباته -عز وجل- ويقول أنه موجود  يفيض حد الانفاق ..!
..
من هبات الشرنقة - العفو عن النفس\عن الحبيب ..
تعفو عنك حتى يعفو عنه ..!
..
ما أردت قوله عند بداية  هذه الكتابة .. أن الألوان في روح الـمحبه ..
محبة لايمكن فرزها !
كعطر مصنوع من كل شيء ..
لا الأشياء الفواحة فقط ..
بل الأكثر عتمه.. : )
..
"يا مُلهمى من أنتَ
أنتَ تعرفُ من أنا
أنا فيك أحيا منذ بدءِكَ كانَ
أنا إن قلتُ أنتَ
فإننى أنا أنتَ
أنتَ الذى أعنى وأقصدُ بالندا إيانا
غُيبتُ عنكَ لفترة .. فعرفتنى
وعرفتُ أن لقاءنا قد حانَ..."
شعر الشيرازي
..



اللوحات بعنوان (مزج) - تلوين على مواد مختلفة..

الأربعاء، 25 يونيو 2014

شوارع .. !


الخرطوم - الميناء البري - 3:47 دقيقة ظهرا " ..!
هذا يعني ( جهنم) ..بلهجة أخرى ..
المشهد : ممتد تماما .. بزحمة شرايين الشوراع .. المنسدة بالكربون ..
الخرطوم مدينه متعبة .. متعبه ..
لكنها هنا - في هذه البقعة بالذات - تكون أكثر تعبا" ..
المشهد : اختلاط الدخان- الاصوات - صرير الحافلات - التياب المملونة - الجلاليب مغبره تماما - الغبار في كل شيء - حدقات الطفلة المتمسكة بهلع في توب أمها- الأكثر حيرة - محاولة أن تر كل شيء - الصبية بقمصانهم وبناطيلهم المكوية صباحا.. المعجونة الآن - حقائب صغيره - شنط ظهر- حقائب كبيرة جدا - أكبر من قدرةالمناورة في هذا الزحام - والكثير من الاكياس والكراتين - كأن السفر ولد هنا للتو !!
ابن أحدهم - ابنة أحدهم زوج أحداهن- ام - أخ- أب .. حبيب يرحل كلهم تجذبهم الخرطوم كدوامة ..!
كلنا تجذبنا الخرطوم كدوامة ! ثم تلعبنا كأوراق كوشتينه ..!
..
المشهد:
كأنك فتحت علب حبر بألوان مختلفة واسقطتها على كوب ماء..تنسل الخرطوم هكذا - مشعة بفعل الشمس - بائسة.. لكن شيئا ما حقيقيا ومألوفا بشده .!يجعلك تنظر لشخص ما .. لتشعر أنك تعرفه مسبقا" . .
ولو أنك ركزت مع الموسيقى التي تملأ الطريق .. لشعرت بسحر خفي - لحظي على الاقل - ريثما ينسل العرق الى اذنك حينها لا موسيقى .. شمس فقط ..!
..
قبل 43 دقيقة .. !
..
مهووسة أنا بالطرق الجديدة .. مهوسة بالمصادفات بشكل أخرق .. !
مثلا عندما توقف البص أمامي . .وهو يصرخ : ( الخرطوم - المينا- المركزي) كنت قضيت 25 دقيقة بالضبط تحت الشمس ..
لذا ركبت وبسرعه .. وبعد 3 دقائق أدركت أن البص لن يسير في ذات الاتجاه الذي أرغب في الوصول اليه ..
كان من الممكن أن أنزل .. لولا هوسي ..أو ربما لأن الباص كان مريحا" وهادئا" ..
بعض الركاب النموذجيين هنا .. وهناك .. هدوء نادر جدا .. لولا اثنين يمضغان جدالا طويلا بلا حل أبد .. لقلت أنك انحشرت فجأة في غرفتك .. تحت السرير تماما" حيث لا صوت .. الا صوت مروحة السقف ..!
وهكذا استرخيت .. وبمساعده من موسيقى هاتفي .. اختفت اصوات كل شيء ..
فقط أنا والموسيقى وعيناي تبتلعان الطرق أمامي ..
كل شيء مألوف .. الشوارع - البيوت - عدا الالتفاتات التي قام بها السائق .. والتي نبهتني الى احتمالية اخرى لشوارع متاحة الآن ..
أحيانا" وأنا أسند جبهتي على زجاج البص .. أفكر أني أرغب في تعبئة هذه المدينة بداخلي - شارعا شارعا .. كأني سأرحل يوما" منها للأبد ..!
وأحيانا" أشعر أني سأبقى لأفنى هنا ..!
..
يمضي الوقت .. تختلط الطرق - مزدحمة جدا - واسعة جدا - مؤلمة كثيرا - ورحبة بشكل مفاجيء ..
نهار الخرطوم - حار - لاذع - لايطاق ..!يمكن أن تقضيه وأنت تلعن !
لكن ليلها ..يا الله ! فاتن بصورة حميمية ..!
..
بعد 43 دقيقة .. المينا البري ..
يا الهي ..! كن رحيما" على عبادك ..
تنبعث (عطبره) الاغنية من مكان ما في رأسي ..

"من قمت من بيتنا ومشيت 
بطاقتي صورة مصغرة 
شايل معاي شنطة صفيح 
حزمة هموم 
ولدا متين بقي للسفر والاغتراب والدردرة "
...

هوسي يتلاعب بي كثيرا" هنا .. عندما يصرخ كومنسجي باسم مدينة ما .. في وجهي ..
أفكر أن كانت لدي الجرأة الكافية أن اذهب ..! أسافر أعني .. في تلك اللحظة بالذات ..!
الهوس يتصاعد كبخار أناء يغلي ..
ولكني - حتى الآن- لم أفعل ..!
ربما يوما ما ..
ربما في مدينة أخرى ..!
سيكون من الجميل أن أذهب أنا وأنت ! لا تستغرب هكذا .. أعلم أننا سنفعل يوما ما ..
بي اس : أخبرت المدينه عنك.. وشوشتني كثيرا" .. وكزجاجة عطر اشبع اسمك الهواء .. ..
..
مساء الخرطوم \ أمدرمان
يونيو ال 25- 2014




الجمعة، 23 مايو 2014

موسيقى خام - حنين - نقوش - صحراء و بيوت طينية محببة - عن موسيقى (حمزة علاء الدين) ..

موسيقى خام - حنين - نقوش - صحراء و بيوت طينية محببة..
..
تقول (كاثرين براسلافسكي) في حديثها الحميم عن أستاذها وصديقها (حمزة علاء الدين):
" (حمزة) شجعني بطريقة جديدة و مختلفة بصورة تامة. لقد أدرك بعمق إلى أي قدر كيف يسري عزفي من الرأس واليدين أكثر من أن يكون القلب وأوصاني أن أرجع دائما إلى قلبي، وإلى قلب الموسيقى. لأجد الاسترخاء العميق في كل أنحاء جسدي، حتى وأنا وسط أكثر النشاطات حيوية . وأن لا اقلل مطلقا من قيمة البساطة! وقال لي بحميمية يجب أن أتذكر دائما إذا كنت أعزف في جوقة،أو ارتجل في عزفي، أو ألحن في نص ما أنا سوى مجرد آلة. الله هو الموسيقي الحقيقي. "..
..
مؤخرا فقط تعرفت على  ملف كامل يحمل 36 لحن وأغنية لـ (حمزة علاء الدين) .. كنت سمعت عنه سابقا .. لكني لم اعرفه حتى ذلك اليوم ..
وبعشوائية كمن يفعل شيئا بيد ويسمتع باذنيه فقط.. بدأت أسمعه .. ثم .. وبهدوء فعلت بي الموسيقى أن أعمت الكون .. وتركتني هكذا  وسط العود واللحن .. لا اسمع شيئا .. سوى روح الموسيقى نفسها ..!
لم يدفعني حينها الفضول بل الجوع الى التهام الملف بأكمله .. والموسيقى تتسرب برنات ناعمة .. ناعمة ..حتى أني غفوت ..!
أغلب الاغنيات لم أفهم كلماتها - النوبية - ولكني  رغم ذلك شعرت أني أفهم ..

 -ولكن من أنا لأقول أني فهمت ؟!-
ثم ببطء بدأت الموسيقى تعرفني على نفسها واعرفها على نفسي ..
ثم ..بدأت البحث عن - الدرويش- الذي نسج اللحن هكذا ..
وفي بحثي .. وجدت ملفا ملحقا  بعنوان (حمزة علاء الدين سفير الموسيقى النوبية -بقلم:كين هيرت - ترجمة:بانقا الياس) ..
وملف بعنوان (حمزة علاء الدين
-ذكرى خاصة - بقلم كاثرين براسلافسكي (
شكرت حظي و (كوثر بشير) التي أدى شغفها  للموسيقى لأن تجمع الملف وتضعه في جهازي .. لأجده..
 بدأت أقرأ ..  وأسمع ..
يا للـــطف !!
أردد يا الله .. يا الله ..!
و الموسيقى تشكني إبرا" صغيرة على مدخل النواح \البوح \ الجمال المطلوب لنفسه ..
..
كلما تعرفت على شخص يصنع أشياء محببة- على طريقته  كلما ازددت فهما لما يفعله .. او هكذا اظن ..!
كل الكتابات في الملف مغرية جدا لأن أنقلها كما هي ..
لكني أكتب لا لشيء سوى من باب الحكي ..وأن أعيد سماع الموسيقى وأنا أبحر في مركب.. !
تماما  كما تعيد صياغتي الموسيقى ..!
..
في الحوار .. يحكي (حمزة علاء الدين ) عن موسيقاه (الساقية) و (كسوف):
 " كانت البداية في عام 1964 العام الذي توجب على أهلي فيه ترك قراهم ليستضيفوا مياه خزان اسوان العالي. وبعد رجوعي للوطن في عام 1965 بعد تسجيل الألبوم الأول واشتراكي في مهرجان نيو بورت واليوم العالمي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة. زرت أهلي في مناطقهم الجديدة فأدركت كيف تغيروا. وعندما عدت إلى الولايات المتحدة كنت جالسا في الأستديو الخاص بي وحاولت العزف على العود لكني لم استطع أن أمسك بأي نغمة فطفقت أردد سأذهب لتناول الغداء.. سأذهب لتناول الغداء.. سأذهب لتناول الغداء وهو ترديد لنغمة الساقية. وفجأة جاء ني شخص من لوس انجلوس برفقة صديقته طالبا مني تسجيل بعض أعمالي لشركته. ما أن رأت صديقته رسوماتي على الحائط حتى شهقت قائلة " يا ألهي لدي بعض الشرائح المصورة تشبه هذه اللوحات تماما." طلبت منها رؤية تلك الشرائح فأخذتني إلي منزلها ووضعت الشرائح في البرجكتور، كانت رحلة نيلية من أسوان إلى وادي حلفا على الحدود السودانية. لم تكن القرى النوبية تظهر في شكل دائري لكنها تحتضن النيل، تعرفت على كل جبل وقعت عليه عيناي وكل مرفأ أو شاطيء رأيته وكنت أعرف أين أنا في كل لقطة لقد كنت منفعلا نفسيا. أهدتني الشرائح والبرجكتور. رجعت إلى منزلي فسجلت تكرار صوت تلك الساقية حتى قبل أن اسجل الساقية. أدرت شريط التسجيل ووضعت الشرائح على البرجكتور، فكنت مع الموسيقى كأنني أجلس على الساقية وارى العالم يدور من حولي. كان العالم نفسه يدور حولي وأنا جالس في اتجاه واحد. عندها أدركت أن تلك المقطوعة من الممكن أن توصف الساقية.
أما البوم كسوف الذي سجله هارت كان عبارة عن محاولة للأمساك بجوهر التقليد النوبي الذي يتقدم نحو النهاية. فإذا كان العرف النوبي هو الماء، فإن كسوف كالشادوف وأعمدة الإرتكاز التي تنقل الماء إلى جداول الري. يقول حمزة " سميته كسوف لأنه أسلوبه الموسيقى يتلاشى. مثل اسلوب أغاني ام كلثوم الطويلة، والتي لن توجد مرة أخرى. والموسيقى هذه الأيام مثل السندويتشات، والسندويتشات لا تشبعك. لكن أغنيات أم كلثوم كانت مشبعة. ونوع موسيقاي وتصفيق الأيادي االمصاحب لها ما عاد يُستخدم كثيرا. خاصة بعد خزان أسوان العالي بدأ ايقاع أهلي يكون أسرع وما عادوا يركزون على الروح الهادئه في موسيقاهم. ولهذا سميته كسوف لأن الموسيقى فيه تتلاشى."

...
ولاقتناعي الشخصي ان الامور الخالده تنتقل لأنها طاقة حب\جمال خام .. لذا لا تفنى .. لا تفنى ..
حيث كيف يكتب شخصا" يسكن بعيدا من طينه كل هذه الأحاديث- الحنينه-  بحروف موسيقية دسمه .. - ينزف روحه الخاصه - ثم لا ينتقل كل هذا الجمال الى الاخرين ..؟!
أليس الحزن في جوهره .. واحدا" .. والحنين ؟ والحب ؟
..
تقول (كاثرين) عن المرة الأولى التي التقته:
" جذب انتباهي شخص اسود يجلس إلى يميني. يبدو عليه هيبيا جدا، يدخن في استرخاء ، ويرتدي زيا زاهيا، قميصا انيقا شديد البياض وينتعل صندلا لامعا. شعره أجعد وطويل، وكث اللحية، لكن مختلف من السحنة الأفريقية العادية. صعب تحديد عمره ، أكبر مني بقليل ( كنت وقتها في الثامنة والعشرين) ،ربما يتراوح عمره مابين الخامسة والثلاثين والاربعين. ربما يكون من فنانين الجاز الظرفاء ، قلت ذلك بقناعة تامة (كنت وقتها من المعحبين بموسيقى الجاز). وعندما،حضر كل الطلاب،نهض ذلك الشخص من مكانه و سار بهدوء نحو الباب وأغلقه، ثم رّحب بنا، وقدّم نفسه بلكنة ايقاعية مرحة. وجلس خلف منضدة المعلم. نظرت لأول مرة بعمق في عينيه. لم أرى عيونا مثلها من قبل . كأنها شبابيك ، تطل على نفق من ضياء وظلال، في مسافة ماضيها بعيدعن التصور. غريبة، ومروعة الألفة. شعرت بقو ة عظيمة. و أذكر أني تمنيت لو كنت رسامة، حتى يمكنني أن احاول رسم صورة جانبية له. "
..
(كاثرين) تحدثت في مقالها عن بساطة (حمزة) وعن صوفيته .. لكنها - بحب- كبير قالت : " تعلمت شيئا نفيسا من حمزة لا استطيع التعبير عنه حول التصوف والطريق الصوفي. لايتظاهر حمزة بأن يكون معلما صوفيا. لكن كان ما يفصح عنه، أوما يجّسدهُ، أكثر مما يقول. مرة قال لي " اذا سمعت شخصا يقول عن نفسه صوفيا هذا يعني إنه ليس كما يقول."
..
الله..!
..
ولعل هذا بالضبط ما يلمسك .. وأنت تتجول حافي الذهن في الموسيقى ..
أعني خليط (البساطة - العشق - المحبة- النقاء- صوت الماء ال بلا شوائب) ..!
..
كتبت (كين هيرت) : 
" عندما يعزف حمزة يسيل النيل من عوده فلن تفرغ الغربة والزمان النيل من دمه أو تمنع إيقاعات النوبة أن تصطخب في شرايينه فهي عميقة فيه عمق الروح في الحنايا وعنها يقول " الموسيقى النوبية متجذرة في دمي وأنا بدوري متجذر في الثقافة النوبية وليس هناك انفصال بيننا،لأني ليس لدي خلفية موسيقية تعلمني كيف أصير موسيقارا نوبيا. فقبل أن أكتب موسيقى للعود كان الغناء النوبي يؤدي بالدفوف والتصفيق وعندما سمع النوبي الموسيقى التي كتبتها للعود شعر بأن هذه الموسيقى ليست جديدة عليه إلى حد ما، ولكنها مألوفة بالنسبة إليه، لأن المقاطع و معاني الكلمات الأثنان عناصر نوبية والنوبيون يمكنهما الاستماع إليهما معا، أما الذين لا يعرفون اللغة النوبية فإن غنائي بالنسبة إليهم يبدو كأنه مصاحب لآلة أخرى.."!
..
لكن غنائه لم يكن بالضروره مصاحبا لآلة أخرى فحسب.. كانت الموسيقى والكلمات تنبعث من جوفه ..وتصلني كامله.. وكما يتبادل أصم وأبكم الاحاديث دون لغة ولا صوت.. كنت أفهم.. !
أليست - اللغة - آداة ؟!
حينها حين أفهمك .. وتفهمني ..
ما حاجتنا لــ اللغه ؟!
...
"أنت أنا ، وأنا أنت
نحن اثنان في واحد
لأني احبك وتحبينني
ما لك هو لي وما لي هو لك
ليس هو صنيعك ولا فعلي
انه فعل القادر العظيم الذي فوقنا
ونحن نضرب النغم
كمبان كاشي .. كمبان كاشي
ترن الجوهرة العظيمة في كعبك ونحن نمشي
كنغ كلنق ... كنغ كلنق
ونحن نمشي
كمبان كاشي .. كمبان كاشي
نمضي الي النهر ونعود
ننظر فوق اكتفانا
ولكن ليس هناك
كمبان كاشي .. كنغ كلنق .."
...
أغنية نوبية ..
...
بوادر بشير
الخرطوم- مايو 2014










السبت، 17 مايو 2014

موسيقى وفحم ..

موسيقى وفحم .. 
..
أصرخ : " لماذا يا الهي .. كل هذه الموسيقى .."
أنا مريض .. مريض ..!


أغلق الكون عني..  فيتبعني الى جهنم\ي.. 
لن أصنع لحنا" آخرا- أقول -   أصبح خبازا" ..  أجل .. مخبز صغير في آخر المدينة .. صغير جدا .. ساخن .. ملتهب..  لا موسيقى .. بل خبز.. ..
..
يعجنني الدقيق .. أسمع طرقعة سنابله في الفرن ..
أسمع الحقل ..
أحاول أن لا استمع ..
أهرب .. حيث المليحات .. أمامي ..
"..كيس واحد..أديني عيش بخمسة جنيه..لو سمحت ..لو سمحت .. عيش بجنيه ونص ..! .. "
ثرثرة.. .. القمح ينضج .. تمسح بنت وجهها .. أتذوق الملح .. 
تبحلق سيدة في يداي .. أسمعها في رأسي : " يداك .. لينتان جدا .. لا أثر للفحم الكثيف .. لا تبدو لي خبازا .. مالذي تفعله هنا .. ؟
! "
-" أنا موسيقي..! "
أقولها بتلقائية وأنا أجهز خبزها  .. تتناوله .. تشكرني .. بلحن .. !

هذا ما كان ينقصني ..!  لحن أساورها ..!
أنا مريض ..! 
أعود الى غيي السابق..
أعجن .. أعجن الموسيقى بيداي ..

حتى تتفحمان ..!
Charcoal on Canvas  by KwangHo Shin

الخميس، 8 مايو 2014

كتابة - ابستراكت (2)

عند البعض .. الكاتب هو (الشيطان) بنفسه ..!
عند البعض هو نصف إله
..  او على اقل تقدير -ساحريصنع بالكلمات كما يفعل ساحر الفودو .. !

الان تختلف النظرة للكاتب طبقا للناظر اليه ..
ولكن ما يهم حقا .. كيف ينظر الكاتب الى نفسه ..!
هنا لا اتحدث عن الراوي ..  بل الكاتب ..  الذي يعجن بنفسه القصص .! يخبزها .. من قمح عقله الخاص ..
هل يرى انه - خالق- ؟ حيث يمكنه أن ينجز أشياءا من العدم ..؟  أم يرى أنه يوحى اليه ؟! أم يرى أنه لاشيء كهذا  .. أنه سولو..  يعبر بنفسه عن نفسه ؟  وأن لا شيء مما يفعل يستحق .. حتى أنه لا يستحق أن يُقرأ !
أو  أنه كاتب عدمي ..   يعدم أي كتابة له .. بكل هدوء .. بلا ندم ..!  حيث أنها لا تخصه بقدر ما تخصه لحظة الكتابة فقط .. ؟!..
..
أظن أن أي موقف يكون فيه الكاتب ..  هو موقف لا يشبه حالاته الاخرى .. لا يشبه حالته بعد ذلك ..  كالوقت الذي يتسرب عبرنا .. تاركا (الآن) و(ماسبق) و(ما سيحدث) ..  مجملا .. تاركا" لا شيء .. ف( الآن) سريع جدا ..  و( ماسبق) سبق وانتهى ..
..
ما يدهشني حقا .. هو ليست قدرة الكاتب على صنع قصص مذهلة .. بل قدرته المذهلة على خلق شخصيات ..!
بالمعنى التركيبي للخلق ..!
ما يدهش حقا .. هو " كيف؟  " كيف يقوم بعملية الخلق هذه ؟!
كيف يخرج شخصيات متكاملة الابعاد  ؟!  حيث أنك لو أغلفت الكتاب .. ثم سمعت جرس الباب .. يمكن ان تفتحه وتجد ( آسيا قازانجي) مثلا .. بكل صخبها وغجريتها .. ويمكنها ببساطة أن تجلس عند اقرب كرسي وتبدأ بشتيمة كل شيء..  كل شيء ..  ابتداءا بالملصقات على جدارك وحتى ذوقك السيء في اختيار الاغنيات التي كنت تسمعها أثناء قراءتك للرواية !
بل أسوأ  من ذلك .. من المحتمل أن تشاركك يومك بالحاح غريب ! وفي نهاية اليوم .. تجد أنك اصبحت تسمع الكثير ل (جوني  كاش ) ..! وانك الآن تنظر للاشياء بعينيها .. عيني (آسيا) المتمردتين ..!
هذا ما يجعل القراءة ممتعه بشكل لايصدق ..
وكلما زادت دقة الشخصيات .. زادت عدد مرات زيارتها لك ..
دائما أتخيل أصحاب الأكشاك المليئة بالكتب أو الفراشة ..  أكثر البشر حظا .. !
خاصة ان كان يدرك أن الكتب المرصوصة أمامه .. تتحرك حقا ! أن لها حياتها الخاصه ..! ليست بذات 
التهذيب والترتيب على الرف 
على أقل تقدير .. وفي لحظات الحروالملل يمكن أن يمد يده ويلتقط كتابا ..
ثم وفي أقل من ثلاث دقائق ..  يكون قد انتقل من كشكه الصغير الى صوت في ذهن راوي .. في قصه ..!
في مكان ما ..!
ثم كتاب آخر .. وحياة أخرى .. و .. هكذا ..!
سكر لا ينتهي ..! 

...
يتبع
..
..
* (آسيا قازانجي) من رواية (لقيطة استطانبول) لـ(ايليف شفاق) ..!



الثلاثاء، 6 مايو 2014

كتابة - أبستراكت ..! (1)

تقول (مارغريت أتوود) :"الكتابة بحد ذاتها بغيضة  دائما بما يكفي , أما الكتابة عن الكتابة فمن المؤكد أنها أكثر بغضا" !
...
اذن مالذي أود  أن أفعله هنا ؟!
..
وبالتأكيد مالذي كانت تفكر فيه (أتوود) عند كتابتها (مفاوضات مع الموتى - تأملات حول الكتابة) ..!
ثمة مقطع في الكتاب .. تقتبس فيه(أتوود) عن (مارجريت ديوراس) , تقول (ديوراس):
"
عندما يشرع الكاتب في الكتابة , يشعر بنفسه وحيد تماما في قاع حفرة , ويكتشف أن الكتابة وحدها سبيل الانقاذ . فان يخلو ذهنك من أدنى موضوع  لكتاب , أو أدنى فكرة لكتاب , يعني أن تصبح بصدد كتاب ..! فتجد نفسك أمام فراغ  شاسع الامتداد , كتاب محتمل الانجاز , وترى أمامك شيئا غير محدد المعالم , شيئا" كالحياة , كتابة عارية وكأنك أمام شيء مرعب لا يسعك  التغلب عليه . "
مارجريت ديوراس , الكتابة
..
..
هنا نترك الـسيدتان (مارجريت) ..
..
من الاسباب التي أدت الى ان أبدأ (ابستراكت)/ المدونة .. أني عندما أبدأ الحديث عن الكتابه.. أتحدث  بصورة غير منطمة ولا مهذبة التفكير بل بشكل مزعج فوضوي تماما ..
ثم أني أفكر في الكتابة على أنها عمل تجريدي - فوضوي كذلك .. لذا بدا لي أنه سيكون من الممتع أن أهذب ما أفكر فيه  !
هنا سأدخل في نفق (الكتابة عن الكتابة ) ..!
 حينها ولأسباب فوضوية يأتي في رأسي النحاتيين (الكتاب)
وأبدأ في تفكير متداعي عن الكتابة و اللغة - اللهجات - الشخصيات - أغلفة الكتب .. وهكذا .. أواصل السقوط ..!

وأفكر : " مالذي أفعله هنا؟ .هل أكتب عن الكتابة كـفعل ؟ كـسلوك أم كـ(قراءه) ..! لم أفكر أبدا في القراءة على أنها شيء منفصل عن الكتابة! حتى الذين يقرأون دون أن يكتبوا حرفا واحدا .أفكر فيهم ككتاب ..!
أو صانعي ألعاب .. حيث الالعاب الحقيقة تحدث داخل أذهانهم  .. أعني أن القاريء  الذي لا يخلو ذهنه من كتاب ما .. لابد أنه يلعب ولو لصالح حياته الخاصة ..  والا لتوقف عن القراءه  و اختار همومه بعناية .. هموم لا علاقة لها بالكتابة ولا القراءه ..!
-ولكن هل يوجد شيء كهذا ؟ أعني أليست كل الهموم مترابطة داخل ذهن واحد !-  والا فانه يواصل القراءة ويواصل تدوين ما يقرأه بشكل مختلف عن كيفما يدون كاتب ..  قراءاته الخاصه .!
..
تقول (مروة بشير)
: " هل تقرأ حقا" ؟ أم أنك تظن ذلك !"
..
نعود للكتابة ..
حسب رأي السيدة ( ديوراس) أنت لا تبدأ الكتابة حتى تكون خاليا" - عاريا"-  
حتى من الأفكار المسبقة ,, الجاهزة ..

وما أفكر فيه أن الكتابة فعل تفكيكي .. تماما".. فعل حر ..  يرتبط بـذلك المكان - المجهول -
wonder land  -  حيث الخيال الخام ..
حيث لا شيء يشبه شيء . .
عليه فأنت تكون في حالة تغيير دائم .. أنت قبل أن تكتب وأنت أثناء الكتابة .. وأنت بعد الكتابة ..
..
تماما كـ القراءه ..!  لا قراءة تعيدك اليك ..!....
..
كما ترى لا شيء مجاني! عندما أقرأ :"الاشياء الجميلة في العالم دائما مجانية .."
 أشفق على من يقول ذلك !
كل شيء يأتي بثمن ما .. تقول
: أن تتأمل وردة  على الطريق وتعجبك أمر جميل ,,  جميل حقا" ولكنه مايؤدي بك أن تتأمل وردة على الطريق , درب - خلاص- حاد جدا ..!
هنا يكون للكتابة ثمن - الخلاص- نفسه ..!
وبالتالي فالقراءة أكثر فداحة ..
...
يقول (بوب) في (أغنيات الخلاص) :
Emancipate yourselves from mental slavery"
None but ourselves can free our minds."
ثم تواصل الأغنيات عن كل شيء ..
عن الحرية بصيغة خاصة ..
حيث الحرية هي النسيج ..
نحن خيوط .. محركي دمى .. ان كان النسيج ضيق.. كيف..!
وان لم ندفع أرواحنا - للخلاص - نفسه ..
كيف الحرية ؟!
كيف يكتب كاتب مايود كتابه ؟ دون أن يتحرر من قبضة نفسه حتى !
كيف تقرأ .. دون أنماط مسبقة ..
تقرأ ..  تشرب تشرب .. وتكون حرا تماما لتفعل بما شربته ما تشاء ..!
..
هنا اتوقف عن الكتابة .. وأعيد قراءة الاسطر هنا .. أجد أني لم أقل شيئا كنت أخطط مسبقا لقوله !
فوضى فوضى !
..
ربما لاحقا ..
..
6 - مايو 2014

الأحد، 4 مايو 2014

ABSTRACT PAINTINGS
















المزامير

ثمة امرأة تدعى في المزامير : أمك..
صل كثيرا ليحفظ الله زجاج عينيها..

ثمة امرأة تسمى في المزامير: حبيبتك..
خف عليها كما لو أن نسمة ما تخدش قلبها...!ا

ثمة امرأة تدعى في المزامير: صديقتك..
شاركها الخبز والأغنيات !ا

و ثمة امرأة تدعى في المزامير: أختك !ا
افتح لها حزنك ونم على كتفها كانك طفل لم تزل ..!ا
كأنما-هي - انجبتك !
هذا وأن خارطة دمها تشابهك..!

قدس الله سرهن ...!ا
******************


ثمة رجل في المزامير يدعى :أبي
تصيبني ابتسامته بالطفولة ،،فأحبو...!ا

ثمة رجل في المزامير يدعى :أخي
أراهن على دمي بدمه!ا
وأكون انا أطول قامة معه معه فقط!ا

ثمة رجل في المزامير يدعى :حبيب...
يسكن عميقا في دمي
حيث اسماء من أحلم من أطفال بلون ابتسامته ..!ا

يقسمنا الحزن الى فتافيت
 ويعيد ترتيبنا الفرح البسيط
ككائنين طائشين ..!ا
....

ثمة رجل في المزامير يدعى:صديق...
حليفي في الأرض...
نتشارك المشاوير والظل
والامنيات ال اوسع مافي الروح
 ٫٫٫٫٫٫٫
...ثمة رجال في المزامير يدركون معنى طوق الياسمين
وينمو الياسمين من قلوبهم صادقا لاريب فيه..

*****************************

جاء في المزامير:..
كأن يلقي أحدهم قنبلة وسط صدرك..
كالحمى..
كأن تجري وتجري وتجري وتجري ..
ثم تعبر خط الوصول بكمية من الأدرينالين مناسبة لإشعال جبل جليدي ..
كأن تحترق ..
كأن تحيا ..
كأن تظل تحت الماء لسبعة دقائق ..ثم تتنفس بأكملك..
كأن تكون ساذجا ..متلخبطا..مرتبكا..
او أن تكون لبقا ..بلا أحرف..
كأن تحزن ....أن تحزن تماما.. ..ثم تعمدك السعادة..أو قل الاندهاش..
لحظة مرورك حقل كهربائي ..يسمى -الصوت -....
ك اللاكتابة ..والحوجة للكتابة ....
كأن لا تكونا واحدا على أقل تقدير ..
بل عشرات ..
تمارسان أدب الهواجس:
أنت أنت .. أنتما .. أنت .. لا أنت .. لا هو .. لا هي .. أنت وهي .. أنت ولا هي ..لا أنتما .. ......

٫٫هكذا الحب ..أو أشد
..
..
*************** 
كتبت من قبل :)