الجمعة، 23 مايو 2014

موسيقى خام - حنين - نقوش - صحراء و بيوت طينية محببة - عن موسيقى (حمزة علاء الدين) ..

موسيقى خام - حنين - نقوش - صحراء و بيوت طينية محببة..
..
تقول (كاثرين براسلافسكي) في حديثها الحميم عن أستاذها وصديقها (حمزة علاء الدين):
" (حمزة) شجعني بطريقة جديدة و مختلفة بصورة تامة. لقد أدرك بعمق إلى أي قدر كيف يسري عزفي من الرأس واليدين أكثر من أن يكون القلب وأوصاني أن أرجع دائما إلى قلبي، وإلى قلب الموسيقى. لأجد الاسترخاء العميق في كل أنحاء جسدي، حتى وأنا وسط أكثر النشاطات حيوية . وأن لا اقلل مطلقا من قيمة البساطة! وقال لي بحميمية يجب أن أتذكر دائما إذا كنت أعزف في جوقة،أو ارتجل في عزفي، أو ألحن في نص ما أنا سوى مجرد آلة. الله هو الموسيقي الحقيقي. "..
..
مؤخرا فقط تعرفت على  ملف كامل يحمل 36 لحن وأغنية لـ (حمزة علاء الدين) .. كنت سمعت عنه سابقا .. لكني لم اعرفه حتى ذلك اليوم ..
وبعشوائية كمن يفعل شيئا بيد ويسمتع باذنيه فقط.. بدأت أسمعه .. ثم .. وبهدوء فعلت بي الموسيقى أن أعمت الكون .. وتركتني هكذا  وسط العود واللحن .. لا اسمع شيئا .. سوى روح الموسيقى نفسها ..!
لم يدفعني حينها الفضول بل الجوع الى التهام الملف بأكمله .. والموسيقى تتسرب برنات ناعمة .. ناعمة ..حتى أني غفوت ..!
أغلب الاغنيات لم أفهم كلماتها - النوبية - ولكني  رغم ذلك شعرت أني أفهم ..

 -ولكن من أنا لأقول أني فهمت ؟!-
ثم ببطء بدأت الموسيقى تعرفني على نفسها واعرفها على نفسي ..
ثم ..بدأت البحث عن - الدرويش- الذي نسج اللحن هكذا ..
وفي بحثي .. وجدت ملفا ملحقا  بعنوان (حمزة علاء الدين سفير الموسيقى النوبية -بقلم:كين هيرت - ترجمة:بانقا الياس) ..
وملف بعنوان (حمزة علاء الدين
-ذكرى خاصة - بقلم كاثرين براسلافسكي (
شكرت حظي و (كوثر بشير) التي أدى شغفها  للموسيقى لأن تجمع الملف وتضعه في جهازي .. لأجده..
 بدأت أقرأ ..  وأسمع ..
يا للـــطف !!
أردد يا الله .. يا الله ..!
و الموسيقى تشكني إبرا" صغيرة على مدخل النواح \البوح \ الجمال المطلوب لنفسه ..
..
كلما تعرفت على شخص يصنع أشياء محببة- على طريقته  كلما ازددت فهما لما يفعله .. او هكذا اظن ..!
كل الكتابات في الملف مغرية جدا لأن أنقلها كما هي ..
لكني أكتب لا لشيء سوى من باب الحكي ..وأن أعيد سماع الموسيقى وأنا أبحر في مركب.. !
تماما  كما تعيد صياغتي الموسيقى ..!
..
في الحوار .. يحكي (حمزة علاء الدين ) عن موسيقاه (الساقية) و (كسوف):
 " كانت البداية في عام 1964 العام الذي توجب على أهلي فيه ترك قراهم ليستضيفوا مياه خزان اسوان العالي. وبعد رجوعي للوطن في عام 1965 بعد تسجيل الألبوم الأول واشتراكي في مهرجان نيو بورت واليوم العالمي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة. زرت أهلي في مناطقهم الجديدة فأدركت كيف تغيروا. وعندما عدت إلى الولايات المتحدة كنت جالسا في الأستديو الخاص بي وحاولت العزف على العود لكني لم استطع أن أمسك بأي نغمة فطفقت أردد سأذهب لتناول الغداء.. سأذهب لتناول الغداء.. سأذهب لتناول الغداء وهو ترديد لنغمة الساقية. وفجأة جاء ني شخص من لوس انجلوس برفقة صديقته طالبا مني تسجيل بعض أعمالي لشركته. ما أن رأت صديقته رسوماتي على الحائط حتى شهقت قائلة " يا ألهي لدي بعض الشرائح المصورة تشبه هذه اللوحات تماما." طلبت منها رؤية تلك الشرائح فأخذتني إلي منزلها ووضعت الشرائح في البرجكتور، كانت رحلة نيلية من أسوان إلى وادي حلفا على الحدود السودانية. لم تكن القرى النوبية تظهر في شكل دائري لكنها تحتضن النيل، تعرفت على كل جبل وقعت عليه عيناي وكل مرفأ أو شاطيء رأيته وكنت أعرف أين أنا في كل لقطة لقد كنت منفعلا نفسيا. أهدتني الشرائح والبرجكتور. رجعت إلى منزلي فسجلت تكرار صوت تلك الساقية حتى قبل أن اسجل الساقية. أدرت شريط التسجيل ووضعت الشرائح على البرجكتور، فكنت مع الموسيقى كأنني أجلس على الساقية وارى العالم يدور من حولي. كان العالم نفسه يدور حولي وأنا جالس في اتجاه واحد. عندها أدركت أن تلك المقطوعة من الممكن أن توصف الساقية.
أما البوم كسوف الذي سجله هارت كان عبارة عن محاولة للأمساك بجوهر التقليد النوبي الذي يتقدم نحو النهاية. فإذا كان العرف النوبي هو الماء، فإن كسوف كالشادوف وأعمدة الإرتكاز التي تنقل الماء إلى جداول الري. يقول حمزة " سميته كسوف لأنه أسلوبه الموسيقى يتلاشى. مثل اسلوب أغاني ام كلثوم الطويلة، والتي لن توجد مرة أخرى. والموسيقى هذه الأيام مثل السندويتشات، والسندويتشات لا تشبعك. لكن أغنيات أم كلثوم كانت مشبعة. ونوع موسيقاي وتصفيق الأيادي االمصاحب لها ما عاد يُستخدم كثيرا. خاصة بعد خزان أسوان العالي بدأ ايقاع أهلي يكون أسرع وما عادوا يركزون على الروح الهادئه في موسيقاهم. ولهذا سميته كسوف لأن الموسيقى فيه تتلاشى."

...
ولاقتناعي الشخصي ان الامور الخالده تنتقل لأنها طاقة حب\جمال خام .. لذا لا تفنى .. لا تفنى ..
حيث كيف يكتب شخصا" يسكن بعيدا من طينه كل هذه الأحاديث- الحنينه-  بحروف موسيقية دسمه .. - ينزف روحه الخاصه - ثم لا ينتقل كل هذا الجمال الى الاخرين ..؟!
أليس الحزن في جوهره .. واحدا" .. والحنين ؟ والحب ؟
..
تقول (كاثرين) عن المرة الأولى التي التقته:
" جذب انتباهي شخص اسود يجلس إلى يميني. يبدو عليه هيبيا جدا، يدخن في استرخاء ، ويرتدي زيا زاهيا، قميصا انيقا شديد البياض وينتعل صندلا لامعا. شعره أجعد وطويل، وكث اللحية، لكن مختلف من السحنة الأفريقية العادية. صعب تحديد عمره ، أكبر مني بقليل ( كنت وقتها في الثامنة والعشرين) ،ربما يتراوح عمره مابين الخامسة والثلاثين والاربعين. ربما يكون من فنانين الجاز الظرفاء ، قلت ذلك بقناعة تامة (كنت وقتها من المعحبين بموسيقى الجاز). وعندما،حضر كل الطلاب،نهض ذلك الشخص من مكانه و سار بهدوء نحو الباب وأغلقه، ثم رّحب بنا، وقدّم نفسه بلكنة ايقاعية مرحة. وجلس خلف منضدة المعلم. نظرت لأول مرة بعمق في عينيه. لم أرى عيونا مثلها من قبل . كأنها شبابيك ، تطل على نفق من ضياء وظلال، في مسافة ماضيها بعيدعن التصور. غريبة، ومروعة الألفة. شعرت بقو ة عظيمة. و أذكر أني تمنيت لو كنت رسامة، حتى يمكنني أن احاول رسم صورة جانبية له. "
..
(كاثرين) تحدثت في مقالها عن بساطة (حمزة) وعن صوفيته .. لكنها - بحب- كبير قالت : " تعلمت شيئا نفيسا من حمزة لا استطيع التعبير عنه حول التصوف والطريق الصوفي. لايتظاهر حمزة بأن يكون معلما صوفيا. لكن كان ما يفصح عنه، أوما يجّسدهُ، أكثر مما يقول. مرة قال لي " اذا سمعت شخصا يقول عن نفسه صوفيا هذا يعني إنه ليس كما يقول."
..
الله..!
..
ولعل هذا بالضبط ما يلمسك .. وأنت تتجول حافي الذهن في الموسيقى ..
أعني خليط (البساطة - العشق - المحبة- النقاء- صوت الماء ال بلا شوائب) ..!
..
كتبت (كين هيرت) : 
" عندما يعزف حمزة يسيل النيل من عوده فلن تفرغ الغربة والزمان النيل من دمه أو تمنع إيقاعات النوبة أن تصطخب في شرايينه فهي عميقة فيه عمق الروح في الحنايا وعنها يقول " الموسيقى النوبية متجذرة في دمي وأنا بدوري متجذر في الثقافة النوبية وليس هناك انفصال بيننا،لأني ليس لدي خلفية موسيقية تعلمني كيف أصير موسيقارا نوبيا. فقبل أن أكتب موسيقى للعود كان الغناء النوبي يؤدي بالدفوف والتصفيق وعندما سمع النوبي الموسيقى التي كتبتها للعود شعر بأن هذه الموسيقى ليست جديدة عليه إلى حد ما، ولكنها مألوفة بالنسبة إليه، لأن المقاطع و معاني الكلمات الأثنان عناصر نوبية والنوبيون يمكنهما الاستماع إليهما معا، أما الذين لا يعرفون اللغة النوبية فإن غنائي بالنسبة إليهم يبدو كأنه مصاحب لآلة أخرى.."!
..
لكن غنائه لم يكن بالضروره مصاحبا لآلة أخرى فحسب.. كانت الموسيقى والكلمات تنبعث من جوفه ..وتصلني كامله.. وكما يتبادل أصم وأبكم الاحاديث دون لغة ولا صوت.. كنت أفهم.. !
أليست - اللغة - آداة ؟!
حينها حين أفهمك .. وتفهمني ..
ما حاجتنا لــ اللغه ؟!
...
"أنت أنا ، وأنا أنت
نحن اثنان في واحد
لأني احبك وتحبينني
ما لك هو لي وما لي هو لك
ليس هو صنيعك ولا فعلي
انه فعل القادر العظيم الذي فوقنا
ونحن نضرب النغم
كمبان كاشي .. كمبان كاشي
ترن الجوهرة العظيمة في كعبك ونحن نمشي
كنغ كلنق ... كنغ كلنق
ونحن نمشي
كمبان كاشي .. كمبان كاشي
نمضي الي النهر ونعود
ننظر فوق اكتفانا
ولكن ليس هناك
كمبان كاشي .. كنغ كلنق .."
...
أغنية نوبية ..
...
بوادر بشير
الخرطوم- مايو 2014










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق